كتاب القبض والبسط في الشريعةالمكتبة التجريبية

كتاب القبض والبسط في الشريعة

صدرت ترجمة كتاب المفكّر الإيراني، عبد الكريم سروش، (القبض والبسط في الشريعة) عن دار الجديد اللبناني، ضمن فعاليات منتدى الحوار العربيّ الإيراني، بترجمة للدكتورة دلال عبّاس، سنة (2003م)، وهو من الكتب الرئيسة؛ التي يمكن لها أن تبيّن لنا، بوضوح، تصوّرات الدكتور سروش حول الشريعة الإسلامية؛ التي أقام عليها نظريّته المعروفة بالقبض والبسط. وقد كتب الدكتور سروش هذا الكتاب بلغته الأمّ (الفارسيّة)، سنة (1989م)، مثيراً، به، لغطاً شديداً، وجدلاً واسعاً، وحتىّ نقاشاً حاداً في الأوساط الدينيّة، والفكريّة الإيرانيّة، بين مؤيدين ومعارضين؛ لذلك جاءت ترجمة هذا الكتاب للعربيّة مهمّة، من جهة توسّع النقاش حول آراء سروش، لا سيما أنّه من المفكّرين؛ الذين ظلّوا يثيرون ضجّة كلّما كتبوا، أو ناقشوا، أو حاوروا، فالرجل مُفكّر تشكّلت ثقافته: «ومنهجيته في البحث، من أبعاد علمية مُتعدّدة، فهو صاحب اختصاص في الصيدلة والكيمياء، وهو متابع لأحدث الدراسات الغربية في التاريخ وفلسفة العلوم، وعلم المعرفة (الإبستمولوجيا)، وهو، إضافة إلى ذلك، ناشط ثقافي وسياسي، ومُتبحر في علم الكلام، والتفسير، وأصول الفقه، ومتذوّق لأدبيّات العرفان. ولعلّ ذلك هو ما دفعه إلى استلهام مفهومي (القبض) و(البسط) من الحقل الصوفي عنواناً لنظريّته، ساعياً، في ذلك، إلى إبراز خاصيّة التحوّل والتغير؛ التي تميّز المعرفة البشرية، ومن ضمنها المعرفة الدينية»[2]. ينقسم الكتاب إلى أقسام ثلاثة كبرى هي: الباب الأوّل: نظريّة القبض والبسط النظريين في الشريعة. الباب الثاني: القبض والبسط النظريان في الشريعة. الباب الثالث: في موانع فهم نظريّة تكامل المعرفة الدينيّة. ويحتوي كلّ باب منها على جملة من الفصول والعناصر؛ التي تفكّك نظريّة القبض والبسط في الشريعة الإسلاميّة، كما يراها سروش. تتأسّس نظريّة سروش، بدايةً، على ضرورة الفصل بين الدين والمعرفة الدينيّة البشريّة، فالدين هو الإلهي السماوي المقدّس؛ الذي لا اختلاف في قدسيته، وهو القرآن والسنّة. أمّا المعارف الدينيّة فهي معارف بشريّة[3] نشأت عن مُحاولات لمعرفة الدين، وفهمه، وهي حصيلة جهد العلماء، وسعيهم لفهم هذا الدين؛ لذلك لا بدّ من أن تكون منقوصة ومجتزأة، وفيها رؤى أحاديّة الجانب، وهي تحتاج، دائماً، إلى التقويم، والتعديل، والنقد، والفحص، وحتى المراجعة. واستناداً إلى هذا الفهم، يُميّز سروش بين الشريعة في ذاتها وبين الفهم البشري لها، ومن خلال ذلك، بين الدين في ذاته وبين المعرفة البشريّة لذلك الدين، كما كنّا نذكر. يقول: «الشريعة، باعتقاد المؤمنين، قدسية كاملة، وإلهية المصدر والمنشأ (...) أما فهم الشريعة، فلا يتّصف بأيٍّ من هذه الصفات، ولم يكن، في أيِّ عصر من العصور، كاملاً، ولا ثابتاً، ولا نقيّاً، ولا بعيداً من الخطأ والخلل، ولا مستغنياً عن المعارف البشرية، أو مستقلاً عنها، ومنشؤه ليس قدسيّاً ولا إلهيّاً، وهو ليس بمنأى عن تحريف المحرِّفين، أو الفهم الخاطئ لذوي العقول القاصرة، وليس خالداً ولا أبديّاً»[4]. ?وغنيّ عن البيان أنّنا، حين ننظر إلى المعرفة الدينية على أساس أنّها معرفة بشرية، علينا أن نعاملها مثل غيرها من المعارف الإنسانيّة والاجتماعيّة، وهو ما فعله سروش عندما شبّه المعرفة الدينية بالمعرفة التاريخية. يقول: «إنّ علم التاريخ يتطوّر، وتُعاد صياغتُه دائماً، ليس لأنّ الاكتشافات التاريخية تزداد كميّاً، ولكن (...) لأنّ فهم المؤرخ للحوادث يتطوّر كيفيّاً، ولأنّ الاكتشافات العلمية الجديدة تفتح منافذ جديدة للتحقيقات، والأبحاث التاريخية. والمؤرّخ المجهَّز بالوسائل العينية، والنظريات الجديدة، يتوصل إلى الفتوحات التاريخية الجديدة»[5]. ويفترض هذا، ضرورةً، «اغتناء العلوم بعضها من بعض»[6]، وما على المُتصدّي للمعرفة الدينية، سواء أكان فقيهاً أم مفسراً، أو عالم كلام، أو باحثاً من أيِّ اختصاص، إلا أن: «يستعين بالتاريخ وبمنهجه، وبالفلسفة، وعلم الاجتماع، والأنتروبولوجيا، هذا كلّه حاضر في فهم الدين» [7]. إنّ جميع المعارف البشرية، بما فيها المعارف الدينية، مُرتبطة بعضها ببعض؛ لذلك يُفترض، عند حدوث أي تطوّر في أحد هذه العلوم، أن تتطوّر معه المعارف كلها، بما فيها المعارف الدينية، ويستتبع ذلك أنّ فهم الدين وقراءته سوف تتطوّر بحسب تطور العلوم البشرية الأخرى. من هنا، جاء توظيف مُصطلح القبض والبسط عند سروش، ليُبين أنّ فهمنا الشريعة ينقبض وينبسط بحسب المُعطيات المعرفية البشرية. ولكن ماذا يحصل إذا اختلفت المعرفةُ الدينية مع المعرفة البشرية العلمية، وحدث التناقض؟[8] يُشير سروش، هنا، إلى موقف غاليلِي (Galilée)، في حلِّ هذا التناقض بفهم جديد للدين ولدوره في المجتمع. كانت نظرية السموات السبع، في نظر القدماء، مُنسجمةً وعلومَ زمانهم، فلمّا ثبُت بطلانُ هذه النظرية علميّاً، سبَّب هذا لغاليلِي ألماً من جرّاء التناقض: «فهو كان يحترم العلم، وفي الوقت نفسه، كان متديناً»، فرأى أنّ الدين: «يعلِّم الناس كيف يصعدون إلى السماء؛ أي: إلى الجنة، ولا يعلِّمهم كيف تتكوّن السماء، وكيف تتحرك»[9]. وحاصل هذا أنّ علوم عصرٍ ما هي التي تطرح الأسئلة على الدين، وعلى الشريعة، وهي التي تطلب أجوبةً عليها؛ لذلك يقول سروش: «إنّ أسئلة كلِّ عصر هي وليدة علوم ذلك العصر، ولا يمكن أن تطرأ على بال أحد، قبل نضج العصر علميّاً. وبما أنّ العلوم تتجدّد، فإنّ الأسئلة، وثانياً الأجوبة، تتجدّد. ومن هذا المنطلق، تبقى المعرفة الدينية في تجدّد مستمر»[10]. يطرح سروش، في الباب الثاني المُعنْون بــــ (القبض والبسط النظريين في الشريعة)، قضيّة منهجيّة أساسيّة، وهي تطبيق هذا المنهج المعرفي على النصوص الدينية، وأساساً القرآن والسنَّة؛ ذلك أن الكثير من المفكّرين المسلمين، منذ أواسط القرن التاسع عشر إلى حدود العصر الراهن، اجتهدوا في تقديم قراءات تأويلية للنصوص الدينيّة تأويلاً ينسجم، إلى حدٍّ ما، مع حاجات العصر؛ الذي يحيون فيه. بيد أنّ هذه الاجتهادات وقعت - في أغلبها - في التبرير الإيديولوجي المُتزامن مع ثورة، أو حدث، أو دعوة سياسية، أو اجتماعية، أو حاجة اقتصادية. وكانت هذه القراءات، في أغلبها، تتناول مجال الفقه وأحكامه، في نطاق من الاجتهاد الكلاسيكي، مثل سعي بعضهم إلى توسيع - نسبيٍّ - لحقوق المرأة، أو الاجتهاد في مسائل الفائدة، أو تفسير بعض الآيات تفسيراً تأويليّاً. أمّا نظريّة سِروش، فقد اجتهدت في إحداث تغيير في المنهج من داخل أصول الدين؛ أي: من خلال علم الكلام، مُستغلاً، في ذلك، الفلسفة، والإبستمولوجيا، والعلوم الطبيعية؛ لأنّ هناك تلاؤماً لدى الإنسان المُعاصر بين معرفته بالإنسان، ومعرفته بالطبيعة، واللسانيات، والأنتروبولوجيا، وهذا التلاؤم يجب أن يشتمل على فهم الإنسان للدين. ومن أجل هذا، يقيم سروش تمايزاً بين علماء الدين وبين المفكّرين الدينيين التنويريين، ويَعُدُّ أنّ بينهما هوّة تتّسع، دائماً، ولا يريد رجال الدين ردمها أبداً، مُحمّلاً إيّاهم مسؤوليةَ بُعد المثقفين التنويريين عن الدين في تاريخنا المعاصر، قائلاً: «كي لا نكون بعيدين عن الإنصاف، نقول: إنّ ما أظهره بعضُ المفكرين التنويريين في تاريخنا المعاصر، من بُعدٍ عن الدين، لم يكن سببَه الحقدُ على الدين، وإنما كان سببُه أنّ الدين، الذي عُرِضَ عليهم لم يكن مليح الصورة»[11]، مؤكّداً أنّ: «المعرفة الجديدة للإنسان، والمجتمع، والطبيعة، فريضةٌ على المتكلِّمين، ورجال الدين اليوم»[12]، وعليه، لا بدّ من تجدّد الفقه مع تجدّد الفهم، وتطوّر العلوم الإنسانيّة.
عبد الكريم سروش - عبد الكريم سروش هو الاسم المستعار لحسين حاجي فرج الدباغ، من كبار المثقفين الإيرانيين الدينيين المعاصرين، من مواليد طهران سنة 1945، درس في المدرسة الثانوية (الرفاه) وهي من المدارس التي كانت تحرص على الجمع في مناهجها بين الدروس الدينية وبين المواد العلمية المعاصرة، التحق في جامعة لندن في فرع الكيمياء وحصل على الدكتوراه، وكان إضافة لتخصصه في الكيمياء والصيدلة متبحراً في فلسفة العلم ومطلعاً على معطيات أحدث تياراتها النقدية الحديثة وتراث المدرسة الوضعية.كان سروش قريباً من علي شريعتي ومرتضى مطهري، وهما وجهان محوريان في فترة ما قبل الثورة في إيران، وبعد الثورة عاد إلى بلده وشغل مناصب عليا في الدولة وأخرى بحثية أهمها الأبحاث والدراسات الثقافية . التأليف ظهر سروش منذ أوائل الثمانينيات كواحد من الكتاب غزيري الإنتاج في إيران، وعالجت كتاباته الأولى النظريات الماركسية وموضوعات فلسفة العلم، ومن أهم أعماله البارزة في تلك الفترة كتاب "المعرفة والقيمة" وكتاب "ما هو العلم؟ ماهي الفلسفة؟" إضافة إلى دراسة نقدية لكتاب محمد باقر الصدر "الأسس المنطقية للاستقراء" نقلت على العربية ضمن كتاب السيد عمار أبو رغيف بعنوان "الأسس المنطقية للاستقراء في ضوء دراسة الدكتور سروش" سنة 1989، وهي السنة التي بدأ فيها سروش بنشر مقالات "القبض والبسط للشريعة" وقد أثارت جدلاً واسعاً ونقاشاً حادا بين المؤيدين والمعارضين، فجمعت بعد ذلك في كتاب حمل العنوان نفسه "القبض والبسط في الشريعة" ونقل إلى العربية. فليس من قبيل الصدفة أن يؤلف في إيران وحدها ثلاثون كتاباً لمناقشة آراء سروش، عشرون منها تتفق معه وتؤازره والعشرة الأخرى تقف بالضد من تلك الآراء والطروحات. وميزة سروش أنه مفكر تكونت ثقافته ومنهجيته في البحث من أبعاد علمية متعددة فهو صاحب اختصاص في الصيدلة والكيمياء وهو متابع لأحدث الدراسات الغربية في التاريخ وفلسفة العلوم وعلم المعرفة (الإبستمولوجيا)، وهو إضافة إلى ذلك ناشط ثقافي وسياسي ومتبحر في علم الكلام والتفسير وأصول الفقه ومتذوق لأدبيات العرفان. ولعل ذلك ما دفعه إلى استمداد مفهومي "القبض" و"البسط" من الحقل الصوفي كعنوان لنظريته، ساعياً في ذلك إلى إبراز خاصية التحول والتغير التي تميز المعرفة البشرية ومن ضمنها المعرفة الدينية. أفكاره يرى سروش أن الأجزاء المختلفة للمعرفة البشرية هي في تعاط مستمر في ما بينها، وإذا ما شهد العلم إبداعاً فإنه يترك تأثيره على علم الفلسفة، وأن تحوّل الفهم الفلسفي يغير فهم الشخص حول الإنسان والكون، وعندما يأخذ الإنسان والكون وجهاً آخر فإن المعرفة الدينية تأخذ معنى جديداً أيضاً. وهو يعتبر أن نظريته تعتمد من جهة على الفكر الديني التقليدي، وتأخذ بنظر الاعتبار من جهة أخرى مكتسبات الفكر والمعرفة البشرية، وبالتالي فهي منهج لطرح جديد وعصري للدين، وأن التحوّل والتطوّر في المعرفة الدينية ليسا ناجمين عن المؤامرة والخيانة ووسوسة الشيطان، بل من لزوم التغييرات القهرية في الكون، وحركة الذهن، وسعة استيعاب الفهم، وطموحات الفكر وتطلّعات الروح البشرية المعادية للجهل. وخلافا لمطهري وشريعتي لا يعد سروش المجتهدين من رجال إحياء وإعادة بناء الفكر الديني، لأن الاجتهاد لديهم هو تغيير في الفروع وليس تحوّلاً في المبادئ والأصول، ولذلك فهو يرى أن المستنير الحقيقي في إعادة بناء الفكر الديني هو الشخص الذي يجيز الاجتهاد في الأصول أيضاَ. إن الأمر المهم في هذه الدراسة هو المقارنة بين هذه النظرات من مختلف الجهات كالرؤى، والسبل، والمناهج التي تطرح لإحياء الدين، والمنهج المعرفي، وعلم الإنسان، وعلاقة الدين والدنيا، وعلاقة العلم والدين، ودوافع دراسة الفكر الديني، وسر خلود الدين ورسالته والمصلحين الدينيين.❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ كلام محمد - رؤى محمد ❝ ❞ التراث والعلمانية: البنى والمرتكزات، الخلفية والمعطيات ❝ ❞ الغزاليّ والمولويّ ❝ ❞ القبض والبسط في الشريعة ❝ الناشرين : ❞ منشورات الجمل ❝ ❞ دار الجديد ❝ ❞ دار أبكالو للطباعة والنشر والتوزيع ❝ ❱
من الفكر والفلسفة - مكتبة المكتبة التجريبية.

وصف الكتاب : صدرت ترجمة كتاب المفكّر الإيراني، عبد الكريم سروش، (القبض والبسط في الشريعة) عن دار الجديد اللبناني، ضمن فعاليات منتدى الحوار العربيّ الإيراني، بترجمة للدكتورة دلال عبّاس، سنة (2003م)، وهو من الكتب الرئيسة؛ التي يمكن لها أن تبيّن لنا، بوضوح، تصوّرات الدكتور سروش حول الشريعة الإسلامية؛ التي أقام عليها نظريّته المعروفة بالقبض والبسط.

وقد كتب الدكتور سروش هذا الكتاب بلغته الأمّ (الفارسيّة)، سنة (1989م)، مثيراً، به، لغطاً شديداً، وجدلاً واسعاً، وحتىّ نقاشاً حاداً في الأوساط الدينيّة، والفكريّة الإيرانيّة، بين مؤيدين ومعارضين؛ لذلك جاءت ترجمة هذا الكتاب للعربيّة مهمّة، من جهة توسّع النقاش حول آراء سروش، لا سيما أنّه من المفكّرين؛ الذين ظلّوا يثيرون ضجّة كلّما كتبوا، أو ناقشوا، أو حاوروا، فالرجل مُفكّر تشكّلت ثقافته: «ومنهجيته في البحث، من أبعاد علمية مُتعدّدة، فهو صاحب اختصاص في الصيدلة والكيمياء، وهو متابع لأحدث الدراسات الغربية في التاريخ وفلسفة العلوم، وعلم المعرفة (الإبستمولوجيا)، وهو، إضافة إلى ذلك، ناشط ثقافي وسياسي، ومُتبحر في علم الكلام، والتفسير، وأصول الفقه، ومتذوّق لأدبيّات العرفان. ولعلّ ذلك هو ما دفعه إلى استلهام مفهومي (القبض) و(البسط) من الحقل الصوفي عنواناً لنظريّته، ساعياً، في ذلك، إلى إبراز خاصيّة التحوّل والتغير؛ التي تميّز المعرفة البشرية، ومن ضمنها المعرفة الدينية»[2].

ينقسم الكتاب إلى أقسام ثلاثة كبرى هي:

الباب الأوّل: نظريّة القبض والبسط النظريين في الشريعة.

الباب الثاني: القبض والبسط النظريان في الشريعة.

الباب الثالث: في موانع فهم نظريّة تكامل المعرفة الدينيّة.

ويحتوي كلّ باب منها على جملة من الفصول والعناصر؛ التي تفكّك نظريّة القبض والبسط في الشريعة الإسلاميّة، كما يراها سروش.

تتأسّس نظريّة سروش، بدايةً، على ضرورة الفصل بين الدين والمعرفة الدينيّة البشريّة، فالدين هو الإلهي السماوي المقدّس؛ الذي لا اختلاف في قدسيته، وهو القرآن والسنّة. أمّا المعارف الدينيّة فهي معارف بشريّة[3] نشأت عن مُحاولات لمعرفة الدين، وفهمه، وهي حصيلة جهد العلماء، وسعيهم لفهم هذا الدين؛ لذلك لا بدّ من أن تكون منقوصة ومجتزأة، وفيها رؤى أحاديّة الجانب، وهي تحتاج، دائماً، إلى التقويم، والتعديل، والنقد، والفحص، وحتى المراجعة.

واستناداً إلى هذا الفهم، يُميّز سروش بين الشريعة في ذاتها وبين الفهم البشري لها، ومن خلال ذلك، بين الدين في ذاته وبين المعرفة البشريّة لذلك الدين، كما كنّا نذكر. يقول: «الشريعة، باعتقاد المؤمنين، قدسية كاملة، وإلهية المصدر والمنشأ (...) أما فهم الشريعة، فلا يتّصف بأيٍّ من هذه الصفات، ولم يكن، في أيِّ عصر من العصور، كاملاً، ولا ثابتاً، ولا نقيّاً، ولا بعيداً من الخطأ والخلل، ولا مستغنياً عن المعارف البشرية، أو مستقلاً عنها، ومنشؤه ليس قدسيّاً ولا إلهيّاً، وهو ليس بمنأى عن تحريف المحرِّفين، أو الفهم الخاطئ لذوي العقول القاصرة، وليس خالداً ولا أبديّاً»[4].

?وغنيّ عن البيان أنّنا، حين ننظر إلى المعرفة الدينية على أساس أنّها معرفة بشرية، علينا أن نعاملها مثل غيرها من المعارف الإنسانيّة والاجتماعيّة، وهو ما فعله سروش عندما شبّه المعرفة الدينية بالمعرفة التاريخية. يقول: «إنّ علم التاريخ يتطوّر، وتُعاد صياغتُه دائماً، ليس لأنّ الاكتشافات التاريخية تزداد كميّاً، ولكن (...) لأنّ فهم المؤرخ للحوادث يتطوّر كيفيّاً، ولأنّ الاكتشافات العلمية الجديدة تفتح منافذ جديدة للتحقيقات، والأبحاث التاريخية. والمؤرّخ المجهَّز بالوسائل العينية، والنظريات الجديدة، يتوصل إلى الفتوحات التاريخية الجديدة»[5].

ويفترض هذا، ضرورةً، «اغتناء العلوم بعضها من بعض»[6]، وما على المُتصدّي للمعرفة الدينية، سواء أكان فقيهاً أم مفسراً، أو عالم كلام، أو باحثاً من أيِّ اختصاص، إلا أن: «يستعين بالتاريخ وبمنهجه، وبالفلسفة، وعلم الاجتماع، والأنتروبولوجيا، هذا كلّه حاضر في فهم الدين» [7].

إنّ جميع المعارف البشرية، بما فيها المعارف الدينية، مُرتبطة بعضها ببعض؛ لذلك يُفترض، عند حدوث أي تطوّر في أحد هذه العلوم، أن تتطوّر معه المعارف كلها، بما فيها المعارف الدينية، ويستتبع ذلك أنّ فهم الدين وقراءته سوف تتطوّر بحسب تطور العلوم البشرية الأخرى. من هنا، جاء توظيف مُصطلح القبض والبسط عند سروش، ليُبين أنّ فهمنا الشريعة ينقبض وينبسط بحسب المُعطيات المعرفية البشرية.

ولكن ماذا يحصل إذا اختلفت المعرفةُ الدينية مع المعرفة البشرية العلمية، وحدث التناقض؟[8]

يُشير سروش، هنا، إلى موقف غاليلِي (Galilée)، في حلِّ هذا التناقض بفهم جديد للدين ولدوره في المجتمع. كانت نظرية السموات السبع، في نظر القدماء، مُنسجمةً وعلومَ زمانهم، فلمّا ثبُت بطلانُ هذه النظرية علميّاً، سبَّب هذا لغاليلِي ألماً من جرّاء التناقض: «فهو كان يحترم العلم، وفي الوقت نفسه، كان متديناً»، فرأى أنّ الدين: «يعلِّم الناس كيف يصعدون إلى السماء؛ أي: إلى الجنة، ولا يعلِّمهم كيف تتكوّن السماء، وكيف تتحرك»[9].

وحاصل هذا أنّ علوم عصرٍ ما هي التي تطرح الأسئلة على الدين، وعلى الشريعة، وهي التي تطلب أجوبةً عليها؛ لذلك يقول سروش: «إنّ أسئلة كلِّ عصر هي وليدة علوم ذلك العصر، ولا يمكن أن تطرأ على بال أحد، قبل نضج العصر علميّاً. وبما أنّ العلوم تتجدّد، فإنّ الأسئلة، وثانياً الأجوبة، تتجدّد. ومن هذا المنطلق، تبقى المعرفة الدينية في تجدّد مستمر»[10].

يطرح سروش، في الباب الثاني المُعنْون بــــ (القبض والبسط النظريين في الشريعة)، قضيّة منهجيّة أساسيّة، وهي تطبيق هذا المنهج المعرفي على النصوص الدينية، وأساساً القرآن والسنَّة؛ ذلك أن الكثير من المفكّرين المسلمين، منذ أواسط القرن التاسع عشر إلى حدود العصر الراهن، اجتهدوا في تقديم قراءات تأويلية للنصوص الدينيّة تأويلاً ينسجم، إلى حدٍّ ما، مع حاجات العصر؛ الذي يحيون فيه. بيد أنّ هذه الاجتهادات وقعت - في أغلبها - في التبرير الإيديولوجي المُتزامن مع ثورة، أو حدث، أو دعوة سياسية، أو اجتماعية، أو حاجة اقتصادية. وكانت هذه القراءات، في أغلبها، تتناول مجال الفقه وأحكامه، في نطاق من الاجتهاد الكلاسيكي، مثل سعي بعضهم إلى توسيع - نسبيٍّ - لحقوق المرأة، أو الاجتهاد في مسائل الفائدة، أو تفسير بعض الآيات تفسيراً تأويليّاً.

أمّا نظريّة سِروش، فقد اجتهدت في إحداث تغيير في المنهج من داخل أصول الدين؛ أي: من خلال علم الكلام، مُستغلاً، في ذلك، الفلسفة، والإبستمولوجيا، والعلوم الطبيعية؛ لأنّ هناك تلاؤماً لدى الإنسان المُعاصر بين معرفته بالإنسان، ومعرفته بالطبيعة، واللسانيات، والأنتروبولوجيا، وهذا التلاؤم يجب أن يشتمل على فهم الإنسان للدين.

ومن أجل هذا، يقيم سروش تمايزاً بين علماء الدين وبين المفكّرين الدينيين التنويريين، ويَعُدُّ أنّ بينهما هوّة تتّسع، دائماً، ولا يريد رجال الدين ردمها أبداً، مُحمّلاً إيّاهم مسؤوليةَ بُعد المثقفين التنويريين عن الدين في تاريخنا المعاصر، قائلاً: «كي لا نكون بعيدين عن الإنصاف، نقول: إنّ ما أظهره بعضُ المفكرين التنويريين في تاريخنا المعاصر، من بُعدٍ عن الدين، لم يكن سببَه الحقدُ على الدين، وإنما كان سببُه أنّ الدين، الذي عُرِضَ عليهم لم يكن مليح الصورة»[11]، مؤكّداً أنّ: «المعرفة الجديدة للإنسان، والمجتمع، والطبيعة، فريضةٌ على المتكلِّمين، ورجال الدين اليوم»[12]، وعليه، لا بدّ من تجدّد الفقه مع تجدّد الفهم، وتطوّر العلوم الإنسانيّة.

للكاتب/المؤلف : عبد الكريم سروش .
دار النشر : دار الجديد .
سنة النشر : 2010م / 1431هـ .
عدد مرات التحميل : 1368 مرّة / مرات.
تم اضافته في : الأربعاء , 6 أبريل 2022م.

ولتسجيل ملاحظاتك ورأيك حول الكتاب يمكنك المشاركه في التعليقات من هنا:

صدرت ترجمة كتاب المفكّر الإيراني، عبد الكريم سروش، (القبض والبسط في الشريعة) عن دار الجديد اللبناني، ضمن فعاليات منتدى الحوار العربيّ الإيراني، بترجمة للدكتورة دلال عبّاس، سنة (2003م)، وهو من الكتب الرئيسة؛ التي يمكن لها أن تبيّن لنا، بوضوح، تصوّرات الدكتور سروش حول الشريعة الإسلامية؛ التي أقام عليها نظريّته المعروفة بالقبض والبسط.

وقد كتب الدكتور سروش هذا الكتاب بلغته الأمّ (الفارسيّة)، سنة (1989م)، مثيراً، به، لغطاً شديداً، وجدلاً واسعاً، وحتىّ نقاشاً حاداً في الأوساط الدينيّة، والفكريّة الإيرانيّة، بين مؤيدين ومعارضين؛ لذلك جاءت ترجمة هذا الكتاب للعربيّة مهمّة، من جهة توسّع النقاش حول آراء سروش، لا سيما أنّه من المفكّرين؛ الذين ظلّوا يثيرون ضجّة كلّما كتبوا، أو ناقشوا، أو حاوروا، فالرجل مُفكّر تشكّلت ثقافته: «ومنهجيته في البحث، من أبعاد علمية مُتعدّدة، فهو صاحب اختصاص في الصيدلة والكيمياء، وهو متابع لأحدث الدراسات الغربية في التاريخ وفلسفة العلوم، وعلم المعرفة (الإبستمولوجيا)، وهو، إضافة إلى ذلك، ناشط ثقافي وسياسي، ومُتبحر في علم الكلام، والتفسير، وأصول الفقه، ومتذوّق لأدبيّات العرفان. ولعلّ ذلك هو ما دفعه إلى استلهام مفهومي (القبض) و(البسط) من الحقل الصوفي عنواناً لنظريّته، ساعياً، في ذلك، إلى إبراز خاصيّة التحوّل والتغير؛ التي تميّز المعرفة البشرية، ومن ضمنها المعرفة الدينية»[2].

ينقسم الكتاب إلى أقسام ثلاثة كبرى هي:

الباب الأوّل: نظريّة القبض والبسط النظريين في الشريعة.

الباب الثاني: القبض والبسط النظريان في الشريعة.

الباب الثالث: في موانع فهم نظريّة تكامل المعرفة الدينيّة.

ويحتوي كلّ باب منها على جملة من الفصول والعناصر؛ التي تفكّك نظريّة القبض والبسط في الشريعة الإسلاميّة، كما يراها سروش.

تتأسّس نظريّة سروش، بدايةً، على ضرورة الفصل بين الدين والمعرفة الدينيّة البشريّة، فالدين هو الإلهي السماوي المقدّس؛ الذي لا اختلاف في قدسيته، وهو القرآن والسنّة. أمّا المعارف الدينيّة فهي معارف بشريّة[3] نشأت عن مُحاولات لمعرفة الدين، وفهمه، وهي حصيلة جهد العلماء، وسعيهم لفهم هذا الدين؛ لذلك لا بدّ من أن تكون منقوصة ومجتزأة، وفيها رؤى أحاديّة الجانب، وهي تحتاج، دائماً، إلى التقويم، والتعديل، والنقد، والفحص، وحتى المراجعة.

واستناداً إلى هذا الفهم، يُميّز سروش بين الشريعة في ذاتها وبين الفهم البشري لها، ومن خلال ذلك، بين الدين في ذاته وبين المعرفة البشريّة لذلك الدين، كما كنّا نذكر. يقول: «الشريعة، باعتقاد المؤمنين، قدسية كاملة، وإلهية المصدر والمنشأ (...) أما فهم الشريعة، فلا يتّصف بأيٍّ من هذه الصفات، ولم يكن، في أيِّ عصر من العصور، كاملاً، ولا ثابتاً، ولا نقيّاً، ولا بعيداً من الخطأ والخلل، ولا مستغنياً عن المعارف البشرية، أو مستقلاً عنها، ومنشؤه ليس قدسيّاً ولا إلهيّاً، وهو ليس بمنأى عن تحريف المحرِّفين، أو الفهم الخاطئ لذوي العقول القاصرة، وليس خالداً ولا أبديّاً»[4].

?وغنيّ عن البيان أنّنا، حين ننظر إلى المعرفة الدينية على أساس أنّها معرفة بشرية، علينا أن نعاملها مثل غيرها من المعارف الإنسانيّة والاجتماعيّة، وهو ما فعله سروش عندما شبّه المعرفة الدينية بالمعرفة التاريخية. يقول: «إنّ علم التاريخ يتطوّر، وتُعاد صياغتُه دائماً، ليس لأنّ الاكتشافات التاريخية تزداد كميّاً، ولكن (...) لأنّ فهم المؤرخ للحوادث يتطوّر كيفيّاً، ولأنّ الاكتشافات العلمية الجديدة تفتح منافذ جديدة للتحقيقات، والأبحاث التاريخية. والمؤرّخ المجهَّز بالوسائل العينية، والنظريات الجديدة، يتوصل إلى الفتوحات التاريخية الجديدة»[5].

ويفترض هذا، ضرورةً، «اغتناء العلوم بعضها من بعض»[6]، وما على المُتصدّي للمعرفة الدينية، سواء أكان فقيهاً أم مفسراً، أو عالم كلام، أو باحثاً من أيِّ اختصاص، إلا أن: «يستعين بالتاريخ وبمنهجه، وبالفلسفة، وعلم الاجتماع، والأنتروبولوجيا، هذا كلّه حاضر في فهم الدين» [7].

إنّ جميع المعارف البشرية، بما فيها المعارف الدينية، مُرتبطة بعضها ببعض؛ لذلك يُفترض، عند حدوث أي تطوّر في أحد هذه العلوم، أن تتطوّر معه المعارف كلها، بما فيها المعارف الدينية، ويستتبع ذلك أنّ فهم الدين وقراءته سوف تتطوّر بحسب تطور العلوم البشرية الأخرى. من هنا، جاء توظيف مُصطلح القبض والبسط عند سروش، ليُبين أنّ فهمنا الشريعة ينقبض وينبسط بحسب المُعطيات المعرفية البشرية.

ولكن ماذا يحصل إذا اختلفت المعرفةُ الدينية مع المعرفة البشرية العلمية، وحدث التناقض؟[8]

يُشير سروش، هنا، إلى موقف غاليلِي (Galilée)، في حلِّ هذا التناقض بفهم جديد للدين ولدوره في المجتمع. كانت نظرية السموات السبع، في نظر القدماء، مُنسجمةً وعلومَ زمانهم، فلمّا ثبُت بطلانُ هذه النظرية علميّاً، سبَّب هذا لغاليلِي ألماً من جرّاء التناقض: «فهو كان يحترم العلم، وفي الوقت نفسه، كان متديناً»، فرأى أنّ الدين: «يعلِّم الناس كيف يصعدون إلى السماء؛ أي: إلى الجنة، ولا يعلِّمهم كيف تتكوّن السماء، وكيف تتحرك»[9].

وحاصل هذا أنّ علوم عصرٍ ما هي التي تطرح الأسئلة على الدين، وعلى الشريعة، وهي التي تطلب أجوبةً عليها؛ لذلك يقول سروش: «إنّ أسئلة كلِّ عصر هي وليدة علوم ذلك العصر، ولا يمكن أن تطرأ على بال أحد، قبل نضج العصر علميّاً. وبما أنّ العلوم تتجدّد، فإنّ الأسئلة، وثانياً الأجوبة، تتجدّد. ومن هذا المنطلق، تبقى المعرفة الدينية في تجدّد مستمر»[10].

يطرح سروش، في الباب الثاني المُعنْون بــــ (القبض والبسط النظريين في الشريعة)، قضيّة منهجيّة أساسيّة، وهي تطبيق هذا المنهج المعرفي على النصوص الدينية، وأساساً القرآن والسنَّة؛ ذلك أن الكثير من المفكّرين المسلمين، منذ أواسط القرن التاسع عشر إلى حدود العصر الراهن، اجتهدوا في تقديم قراءات تأويلية للنصوص الدينيّة تأويلاً ينسجم، إلى حدٍّ ما، مع حاجات العصر؛ الذي يحيون فيه. بيد أنّ هذه الاجتهادات وقعت - في أغلبها - في التبرير الإيديولوجي المُتزامن مع ثورة، أو حدث، أو دعوة سياسية، أو اجتماعية، أو حاجة اقتصادية. وكانت هذه القراءات، في أغلبها، تتناول مجال الفقه وأحكامه، في نطاق من الاجتهاد الكلاسيكي، مثل سعي بعضهم إلى توسيع - نسبيٍّ - لحقوق المرأة، أو الاجتهاد في مسائل الفائدة، أو تفسير بعض الآيات تفسيراً تأويليّاً.

أمّا نظريّة سِروش، فقد اجتهدت في إحداث تغيير في المنهج من داخل أصول الدين؛ أي: من خلال علم الكلام، مُستغلاً، في ذلك، الفلسفة، والإبستمولوجيا، والعلوم الطبيعية؛ لأنّ هناك تلاؤماً لدى الإنسان المُعاصر بين معرفته بالإنسان، ومعرفته بالطبيعة، واللسانيات، والأنتروبولوجيا، وهذا التلاؤم يجب أن يشتمل على فهم الإنسان للدين.

ومن أجل هذا، يقيم سروش تمايزاً بين علماء الدين وبين المفكّرين الدينيين التنويريين، ويَعُدُّ أنّ بينهما هوّة تتّسع، دائماً، ولا يريد رجال الدين ردمها أبداً، مُحمّلاً إيّاهم مسؤوليةَ بُعد المثقفين التنويريين عن الدين في تاريخنا المعاصر، قائلاً: «كي لا نكون بعيدين عن الإنصاف، نقول: إنّ ما أظهره بعضُ المفكرين التنويريين في تاريخنا المعاصر، من بُعدٍ عن الدين، لم يكن سببَه الحقدُ على الدين، وإنما كان سببُه أنّ الدين، الذي عُرِضَ عليهم لم يكن مليح الصورة»[11]، مؤكّداً أنّ: «المعرفة الجديدة للإنسان، والمجتمع، والطبيعة، فريضةٌ على المتكلِّمين، ورجال الدين اليوم»[12]، وعليه، لا بدّ من تجدّد الفقه مع تجدّد الفهم، وتطوّر العلوم الإنسانيّة.



نوع الكتاب : pdf.
اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني
و يمكنك تحميله من هنا:

تحميل القبض والبسط في الشريعة
عبد الكريم سروش
عبد الكريم سروش
Abdul Karim Soroush
عبد الكريم سروش هو الاسم المستعار لحسين حاجي فرج الدباغ، من كبار المثقفين الإيرانيين الدينيين المعاصرين، من مواليد طهران سنة 1945، درس في المدرسة الثانوية (الرفاه) وهي من المدارس التي كانت تحرص على الجمع في مناهجها بين الدروس الدينية وبين المواد العلمية المعاصرة، التحق في جامعة لندن في فرع الكيمياء وحصل على الدكتوراه، وكان إضافة لتخصصه في الكيمياء والصيدلة متبحراً في فلسفة العلم ومطلعاً على معطيات أحدث تياراتها النقدية الحديثة وتراث المدرسة الوضعية.كان سروش قريباً من علي شريعتي ومرتضى مطهري، وهما وجهان محوريان في فترة ما قبل الثورة في إيران، وبعد الثورة عاد إلى بلده وشغل مناصب عليا في الدولة وأخرى بحثية أهمها الأبحاث والدراسات الثقافية . التأليف ظهر سروش منذ أوائل الثمانينيات كواحد من الكتاب غزيري الإنتاج في إيران، وعالجت كتاباته الأولى النظريات الماركسية وموضوعات فلسفة العلم، ومن أهم أعماله البارزة في تلك الفترة كتاب "المعرفة والقيمة" وكتاب "ما هو العلم؟ ماهي الفلسفة؟" إضافة إلى دراسة نقدية لكتاب محمد باقر الصدر "الأسس المنطقية للاستقراء" نقلت على العربية ضمن كتاب السيد عمار أبو رغيف بعنوان "الأسس المنطقية للاستقراء في ضوء دراسة الدكتور سروش" سنة 1989، وهي السنة التي بدأ فيها سروش بنشر مقالات "القبض والبسط للشريعة" وقد أثارت جدلاً واسعاً ونقاشاً حادا بين المؤيدين والمعارضين، فجمعت بعد ذلك في كتاب حمل العنوان نفسه "القبض والبسط في الشريعة" ونقل إلى العربية. فليس من قبيل الصدفة أن يؤلف في إيران وحدها ثلاثون كتاباً لمناقشة آراء سروش، عشرون منها تتفق معه وتؤازره والعشرة الأخرى تقف بالضد من تلك الآراء والطروحات. وميزة سروش أنه مفكر تكونت ثقافته ومنهجيته في البحث من أبعاد علمية متعددة فهو صاحب اختصاص في الصيدلة والكيمياء وهو متابع لأحدث الدراسات الغربية في التاريخ وفلسفة العلوم وعلم المعرفة (الإبستمولوجيا)، وهو إضافة إلى ذلك ناشط ثقافي وسياسي ومتبحر في علم الكلام والتفسير وأصول الفقه ومتذوق لأدبيات العرفان. ولعل ذلك ما دفعه إلى استمداد مفهومي "القبض" و"البسط" من الحقل الصوفي كعنوان لنظريته، ساعياً في ذلك إلى إبراز خاصية التحول والتغير التي تميز المعرفة البشرية ومن ضمنها المعرفة الدينية. أفكاره يرى سروش أن الأجزاء المختلفة للمعرفة البشرية هي في تعاط مستمر في ما بينها، وإذا ما شهد العلم إبداعاً فإنه يترك تأثيره على علم الفلسفة، وأن تحوّل الفهم الفلسفي يغير فهم الشخص حول الإنسان والكون، وعندما يأخذ الإنسان والكون وجهاً آخر فإن المعرفة الدينية تأخذ معنى جديداً أيضاً. وهو يعتبر أن نظريته تعتمد من جهة على الفكر الديني التقليدي، وتأخذ بنظر الاعتبار من جهة أخرى مكتسبات الفكر والمعرفة البشرية، وبالتالي فهي منهج لطرح جديد وعصري للدين، وأن التحوّل والتطوّر في المعرفة الدينية ليسا ناجمين عن المؤامرة والخيانة ووسوسة الشيطان، بل من لزوم التغييرات القهرية في الكون، وحركة الذهن، وسعة استيعاب الفهم، وطموحات الفكر وتطلّعات الروح البشرية المعادية للجهل. وخلافا لمطهري وشريعتي لا يعد سروش المجتهدين من رجال إحياء وإعادة بناء الفكر الديني، لأن الاجتهاد لديهم هو تغيير في الفروع وليس تحوّلاً في المبادئ والأصول، ولذلك فهو يرى أن المستنير الحقيقي في إعادة بناء الفكر الديني هو الشخص الذي يجيز الاجتهاد في الأصول أيضاَ. إن الأمر المهم في هذه الدراسة هو المقارنة بين هذه النظرات من مختلف الجهات كالرؤى، والسبل، والمناهج التي تطرح لإحياء الدين، والمنهج المعرفي، وعلم الإنسان، وعلاقة الدين والدنيا، وعلاقة العلم والدين، ودوافع دراسة الفكر الديني، وسر خلود الدين ورسالته والمصلحين الدينيين. ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ كلام محمد - رؤى محمد ❝ ❞ التراث والعلمانية: البنى والمرتكزات، الخلفية والمعطيات ❝ ❞ الغزاليّ والمولويّ ❝ ❞ القبض والبسط في الشريعة ❝ الناشرين : ❞ منشورات الجمل ❝ ❞ دار الجديد ❝ ❞ دار أبكالو للطباعة والنشر والتوزيع ❝ ❱.



كتب اخرى في الفكر والفلسفة

قراءة في كتاب: أصول الهوية الحديثة وعللها (مقاربة شارل تايلور نموذجا) PDF

قراءة و تحميل كتاب قراءة في كتاب: أصول الهوية الحديثة وعللها (مقاربة شارل تايلور نموذجا) PDF مجانا

الإيمان في الفلسفة والتصوف الإسلاميين PDF

قراءة و تحميل كتاب الإيمان في الفلسفة والتصوف الإسلاميين PDF مجانا

مراجعة لكتاب: العقل والمعتقد الديني: مدخل إلى فلسفة الدين PDF

قراءة و تحميل كتاب مراجعة لكتاب: العقل والمعتقد الديني: مدخل إلى فلسفة الدين PDF مجانا

الدراسات الدينية المعاصرة من المركزية الغربية إلى النسبية الثقافية: الاستشراق، القرآن، الهوية والقيم الدينية عند العرب والغرب واليابانيّين PDF

قراءة و تحميل كتاب الدراسات الدينية المعاصرة من المركزية الغربية إلى النسبية الثقافية: الاستشراق، القرآن، الهوية والقيم الدينية عند العرب والغرب واليابانيّين PDF مجانا

أصول المعرفة والمنهج العقلي PDF

قراءة و تحميل كتاب أصول المعرفة والمنهج العقلي PDF مجانا

العنف PDF

قراءة و تحميل كتاب العنف PDF مجانا

إعلان سلطة القرآن... في نص القرآن PDF

قراءة و تحميل كتاب إعلان سلطة القرآن... في نص القرآن PDF مجانا

الإيمان والحرية: قراءات معاصرة في تراثنا الفلسفي PDF

قراءة و تحميل كتاب الإيمان والحرية: قراءات معاصرة في تراثنا الفلسفي PDF مجانا

المزيد من الفكر والفلسفة في مكتبة الفكر والفلسفة , المزيد من النجاح وتطوير الذات في مكتبة النجاح وتطوير الذات , المزيد من مقارنة الأديان في مكتبة مقارنة الأديان , المزيد من السياسة في مكتبة السياسة , المزيد من علم النفس في مكتبة علم النفس , المزيد من الهندسة الشاملة في مكتبة الهندسة الشاملة , المزيد من محمد صلى الله عليه وسلم في مكتبة محمد صلى الله عليه وسلم , المزيد من أوراق المؤتمرات والملتقيات العلمية في مكتبة أوراق المؤتمرات والملتقيات العلمية , المزيد من غير مصنفة في مكتبة غير مصنفة
عرض كل المكتبة التجريبية ..
اقرأ المزيد في مكتبة كتب إسلامية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب تقنية المعلومات , اقرأ المزيد في مكتبة المناهج التعليمية والكتب الدراسية , اقرأ المزيد في مكتبة القصص والروايات والمجلّات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الهندسة والتكنولوجيا , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب والموسوعات العامة , اقرأ المزيد في مكتبة كتب تعلم اللغات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب التنمية البشرية , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب التعليمية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب التاريخ , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الأطفال قصص ومجلات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الطب , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب العلمية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب علوم سياسية وقانونية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الأدب , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الروايات الأجنبية والعالمية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب اللياقة البدنية والصحة العامة , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الأسرة والتربية الطبخ والديكور , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب الغير مصنّفة , اقرأ المزيد في مكتبة كتب المعاجم واللغات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب علوم عسكرية و قانون دولي
جميع مكتبات الكتب ..