كتاب النقاط العمياء: أصول المنهجية الغربية في نقد الحديثالمكتبة التجريبية

كتاب النقاط العمياء: أصول المنهجية الغربية في نقد الحديث

مقدمة المؤلف: قبل بضع سنوات كنتُ في مناظرة إذاعية مع مؤرخ بريطاني بارز كان قد كتب مؤخرًا كتابًا يروِّج للإثارة عن أصول الإسلام. ادّعى فيه بنبرة فجّة مميزة وليست بالنادرة في وسط الأكاديميين، أن الصلاة خمس مرات باليوم لم تكن من رسالة النبي الأصلية، بل انتقلت في بداية الإسلام من معتنقيه الزرادشتيين تقليدًا لصلواتهم الخمس الزرادشتية [1]. وحاججَ موافقًا لكثير من العلماء الغربيين أنه لا يمكن الاعتماد على مجاميع الحديث والسيرة على أنها مصادر تاريخية موثوقة لحياة النبي ﷺ أو لبدايات الإسلام لكونها قد صُنِّفت على الأقرب لبضعة عقود بعد الأحداث التي تصفها. إضافة إلى ذلك فقد صَنَّفها مسلمون كانت لهم كل مصلحة لتدعيم مزاعم دينهم. بَيْدَ أن الدليل الذي اعتمد عليه هذا العالِم في دعواه عن الأصول “الحقيقة” لصلاة المسلمين جاء من كتاب ألَّفه حاخام بفرنسا في القرن الثاني عشر، ولم يأتِ فيه حتى ذكر الصلاة، بل ذكر فيه كيف أن الزرادشتيين ممن اعتنق الإسلام كثيرًا ما استمرّوا في شرب الخمر بعد ما صاروا مسلمين. وفي المقابل؛ نجد حديثًا يصف فرض إقامة الصلاة خمس مرات باليوم في أقدم كتب الحديث التي بلغتنا، موطأ عالم المدينة مالك بن أنس (تـ 796) [2]. لِمَ أهدر هذا العالِم البريطاني اعتماد المسلمين على دليل وُجِدَ بعد بضعة عقود من حياة النبي ﷺ، ومنقول من عالِم من مدينة النبي نفسها، مُحاجًّا مقابل ذلك أن تقوّلًا بالظن حول عبارة لحاخام يهودي بأوروبا متأخرة بقرون أوثق في الشهادة عن أصول الإسلام؟ [3]. ولِمَ أيضًا حاججَ هذا العالِم وغيره من العلماء الغربيين أنه يمكن أن يكون القرآن قد جاء من حقبة متأخرة كثيرًا عما يدّعيه المسلمون، أو متقدمة كثيرًا عليها، ولكن ليس في القرن السابع عصر النبي ﷺ الحقيقي؟ جواب ذلك أن طريقة العلماء الغربيين عمومًا في رؤيتهم للروايات عن الماضي، والروايات عن تاريخ الأديان والكتب المقدسة خاصة، ليست محايدة. فهي نتيجة تقاليد سياسية وثقافية معينة. ومع كون هذه المنهجية تفخر بإلقائها النور على الخبايا المُظلمة للتاريخ البشري، فإنها لا تخلو من نقاطها العمياء. هذا الآتي هو قطعة مستلّة من كتابي “الحديث: إرث محمد في عالم العصور الوسطى والعالم الحديث”، الطبعة الثانية (ون ورلد، 2017). وتحديدًا، هي مقدمة فصل الدراسة الغربية للتراث الحديثي. قرّرنا أن ننشر هذا الجزء هنا في “يقين” لإفادته مصدرًا مهمًّا لأولئك الذين يقرؤون الكتابات التاريخية الغربية عن الإسلام المبكر، وبصورة أوسع عن نشوء وتطوّر التقاليد الدينية عامةً. وبإيجاز؛ فإن هذه الصفحات تعطي ملخصًا عن (كيف ولِمَ) انتهى البشر “العصريون” إلى موقف شكوكي ومسيء للظن بامتياز تجاه النصوص المقدسة والأرثوذكسية [المذهب الذي يزعم تمثيل الدين الصحيح*] في مختلف التقاليد الدينية.
أي. سي. براون - ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ النقاط العمياء: أصول المنهجية الغربية في نقد الحديث ❝ ❱
من الفكر والفلسفة - مكتبة المكتبة التجريبية.

وصف الكتاب : مقدمة المؤلف:

قبل بضع سنوات كنتُ في مناظرة إذاعية مع مؤرخ بريطاني بارز كان قد كتب مؤخرًا كتابًا يروِّج للإثارة عن أصول الإسلام. ادّعى فيه بنبرة فجّة مميزة وليست بالنادرة في وسط الأكاديميين، أن الصلاة خمس مرات باليوم لم تكن من رسالة النبي الأصلية، بل انتقلت في بداية الإسلام من معتنقيه الزرادشتيين تقليدًا لصلواتهم الخمس الزرادشتية [1]. وحاججَ موافقًا لكثير من العلماء الغربيين أنه لا يمكن الاعتماد على مجاميع الحديث والسيرة على أنها مصادر تاريخية موثوقة لحياة النبي ﷺ أو لبدايات الإسلام لكونها قد صُنِّفت على الأقرب لبضعة عقود بعد الأحداث التي تصفها. إضافة إلى ذلك فقد صَنَّفها مسلمون كانت لهم كل مصلحة لتدعيم مزاعم دينهم.

بَيْدَ أن الدليل الذي اعتمد عليه هذا العالِم في دعواه عن الأصول “الحقيقة” لصلاة المسلمين جاء من كتاب ألَّفه حاخام بفرنسا في القرن الثاني عشر، ولم يأتِ فيه حتى ذكر الصلاة، بل ذكر فيه كيف أن الزرادشتيين ممن اعتنق الإسلام كثيرًا ما استمرّوا في شرب الخمر بعد ما صاروا مسلمين. وفي المقابل؛ نجد حديثًا يصف فرض إقامة الصلاة خمس مرات باليوم في أقدم كتب الحديث التي بلغتنا، موطأ عالم المدينة مالك بن أنس (تـ 796) [2].

لِمَ أهدر هذا العالِم البريطاني اعتماد المسلمين على دليل وُجِدَ بعد بضعة عقود من حياة النبي ﷺ، ومنقول من عالِم من مدينة النبي نفسها، مُحاجًّا مقابل ذلك أن تقوّلًا بالظن حول عبارة لحاخام يهودي بأوروبا متأخرة بقرون أوثق في الشهادة عن أصول الإسلام؟ [3]. ولِمَ أيضًا حاججَ هذا العالِم وغيره من العلماء الغربيين أنه يمكن أن يكون القرآن قد جاء من حقبة متأخرة كثيرًا عما يدّعيه المسلمون، أو متقدمة كثيرًا عليها، ولكن ليس في القرن السابع عصر النبي ﷺ الحقيقي؟

جواب ذلك أن طريقة العلماء الغربيين عمومًا في رؤيتهم للروايات عن الماضي، والروايات عن تاريخ الأديان والكتب المقدسة خاصة، ليست محايدة. فهي نتيجة تقاليد سياسية وثقافية معينة. ومع كون هذه المنهجية تفخر بإلقائها النور على الخبايا المُظلمة للتاريخ البشري، فإنها لا تخلو من نقاطها العمياء.

هذا الآتي هو قطعة مستلّة من كتابي “الحديث: إرث محمد في عالم العصور الوسطى والعالم الحديث”، الطبعة الثانية (ون ورلد، 2017). وتحديدًا، هي مقدمة فصل الدراسة الغربية للتراث الحديثي. قرّرنا أن ننشر هذا الجزء هنا في “يقين” لإفادته مصدرًا مهمًّا لأولئك الذين يقرؤون الكتابات التاريخية الغربية عن الإسلام المبكر، وبصورة أوسع عن نشوء وتطوّر التقاليد الدينية عامةً. وبإيجاز؛ فإن هذه الصفحات تعطي ملخصًا عن (كيف ولِمَ) انتهى البشر “العصريون” إلى موقف شكوكي ومسيء للظن بامتياز تجاه النصوص المقدسة والأرثوذكسية [المذهب الذي يزعم تمثيل الدين الصحيح*] في مختلف التقاليد الدينية.

عدد مرات التحميل : 367 مرّة / مرات.
تم اضافته في : الأربعاء , 4 مايو 2022م.

ولتسجيل ملاحظاتك ورأيك حول الكتاب يمكنك المشاركه في التعليقات من هنا:

مقدمة المؤلف:

قبل بضع سنوات كنتُ في مناظرة إذاعية مع مؤرخ بريطاني بارز كان قد كتب مؤخرًا كتابًا يروِّج للإثارة عن أصول الإسلام. ادّعى فيه بنبرة فجّة مميزة وليست بالنادرة في وسط الأكاديميين، أن الصلاة خمس مرات باليوم لم تكن من رسالة النبي الأصلية، بل انتقلت في بداية الإسلام من معتنقيه الزرادشتيين تقليدًا لصلواتهم الخمس الزرادشتية [1]. وحاججَ موافقًا لكثير من العلماء الغربيين أنه لا يمكن الاعتماد على مجاميع الحديث والسيرة على أنها مصادر تاريخية موثوقة لحياة النبي ﷺ أو لبدايات الإسلام لكونها قد صُنِّفت على الأقرب لبضعة عقود بعد الأحداث التي تصفها. إضافة إلى ذلك فقد صَنَّفها مسلمون كانت لهم كل مصلحة لتدعيم مزاعم دينهم.

بَيْدَ أن الدليل الذي اعتمد عليه هذا العالِم في دعواه عن الأصول “الحقيقة” لصلاة المسلمين جاء من كتاب ألَّفه حاخام بفرنسا في القرن الثاني عشر، ولم يأتِ فيه حتى ذكر الصلاة، بل ذكر فيه كيف أن الزرادشتيين ممن اعتنق الإسلام كثيرًا ما استمرّوا في شرب الخمر بعد ما صاروا مسلمين. وفي المقابل؛ نجد حديثًا يصف فرض إقامة الصلاة خمس مرات باليوم في أقدم كتب الحديث التي بلغتنا، موطأ عالم المدينة مالك بن أنس (تـ 796) [2].

لِمَ أهدر هذا العالِم البريطاني اعتماد المسلمين على دليل وُجِدَ بعد بضعة عقود من حياة النبي ﷺ، ومنقول من عالِم من مدينة النبي نفسها، مُحاجًّا مقابل ذلك أن تقوّلًا بالظن حول عبارة لحاخام يهودي بأوروبا متأخرة بقرون أوثق في الشهادة عن أصول الإسلام؟ [3]. ولِمَ أيضًا حاججَ هذا العالِم وغيره من العلماء الغربيين أنه يمكن أن يكون القرآن قد جاء من حقبة متأخرة كثيرًا عما يدّعيه المسلمون، أو متقدمة كثيرًا عليها، ولكن ليس في القرن السابع عصر النبي ﷺ الحقيقي؟

جواب ذلك أن طريقة العلماء الغربيين عمومًا في رؤيتهم للروايات عن الماضي، والروايات عن تاريخ الأديان والكتب المقدسة خاصة، ليست محايدة. فهي نتيجة تقاليد سياسية وثقافية معينة. ومع كون هذه المنهجية تفخر بإلقائها النور على الخبايا المُظلمة للتاريخ البشري، فإنها لا تخلو من نقاطها العمياء.

هذا الآتي هو قطعة مستلّة من كتابي “الحديث: إرث محمد في عالم العصور الوسطى والعالم الحديث”، الطبعة الثانية (ون ورلد، 2017). وتحديدًا، هي مقدمة فصل الدراسة الغربية للتراث الحديثي. قرّرنا أن ننشر هذا الجزء هنا في “يقين” لإفادته مصدرًا مهمًّا لأولئك الذين يقرؤون الكتابات التاريخية الغربية عن الإسلام المبكر، وبصورة أوسع عن نشوء وتطوّر التقاليد الدينية عامةً. وبإيجاز؛ فإن هذه الصفحات تعطي ملخصًا عن (كيف ولِمَ) انتهى البشر “العصريون” إلى موقف شكوكي ومسيء للظن بامتياز تجاه النصوص المقدسة والأرثوذكسية [المذهب الذي يزعم تمثيل الدين الصحيح*] في مختلف التقاليد الدينية.



نوع الكتاب : pdf.
اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني
و يمكنك تحميله من هنا:

تحميل النقاط العمياء: أصول المنهجية الغربية في نقد الحديث
أي. سي. براون
أي. سي. براون



كتب اخرى في الفكر والفلسفة

عالم الصمت PDF

قراءة و تحميل كتاب عالم الصمت PDF مجانا

الإيمان الحر أو ما بعد الملة: مباحث في فلسفة الدين PDF

قراءة و تحميل كتاب الإيمان الحر أو ما بعد الملة: مباحث في فلسفة الدين PDF مجانا

صناعة الآخر المسلم في الفكر الغربي المعاصر PDF

قراءة و تحميل كتاب صناعة الآخر المسلم في الفكر الغربي المعاصر PDF مجانا

ابن رشد في مرايا الفلسفة الغربية الحديثة PDF

قراءة و تحميل كتاب ابن رشد في مرايا الفلسفة الغربية الحديثة PDF مجانا

جدل التاريخ والمتخيل ؛ سيرة فاطمة PDF

قراءة و تحميل كتاب جدل التاريخ والمتخيل ؛ سيرة فاطمة PDF مجانا

الحتمية التنويرية - مدخل التزامن الحضاري PDF

قراءة و تحميل كتاب الحتمية التنويرية - مدخل التزامن الحضاري PDF مجانا

ميراث الغائب: قراءة في الحوار الصحفي الأخير مع جاك دريدا وأبرز الفلسفات المعاصرة المناهضة للتفكيكية PDF

قراءة و تحميل كتاب ميراث الغائب: قراءة في الحوار الصحفي الأخير مع جاك دريدا وأبرز الفلسفات المعاصرة المناهضة للتفكيكية PDF مجانا

طريق الفيلسوف PDF

قراءة و تحميل كتاب طريق الفيلسوف PDF مجانا

المزيد من الفكر والفلسفة في مكتبة الفكر والفلسفة , المزيد من النجاح وتطوير الذات في مكتبة النجاح وتطوير الذات , المزيد من مقارنة الأديان في مكتبة مقارنة الأديان , المزيد من السياسة في مكتبة السياسة , المزيد من علم النفس في مكتبة علم النفس , المزيد من الهندسة الشاملة في مكتبة الهندسة الشاملة , المزيد من محمد صلى الله عليه وسلم في مكتبة محمد صلى الله عليه وسلم , المزيد من أوراق المؤتمرات والملتقيات العلمية في مكتبة أوراق المؤتمرات والملتقيات العلمية , المزيد من غير مصنفة في مكتبة غير مصنفة
عرض كل المكتبة التجريبية ..
اقرأ المزيد في مكتبة كتب إسلامية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب تقنية المعلومات , اقرأ المزيد في مكتبة المناهج التعليمية والكتب الدراسية , اقرأ المزيد في مكتبة القصص والروايات والمجلّات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الهندسة والتكنولوجيا , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب والموسوعات العامة , اقرأ المزيد في مكتبة كتب تعلم اللغات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب التنمية البشرية , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب التعليمية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب التاريخ , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الأطفال قصص ومجلات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الطب , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب العلمية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب علوم سياسية وقانونية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الأدب , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الروايات الأجنبية والعالمية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب اللياقة البدنية والصحة العامة , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الأسرة والتربية الطبخ والديكور , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب الغير مصنّفة , اقرأ المزيد في مكتبة كتب المعاجم واللغات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب علوم عسكرية و قانون دولي
جميع مكتبات الكتب ..